أَوْثَقْ عُرَى الإيمان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وأنْ يُحب المرء لا يُحبُّهُ إلا لله)) أوثق عُرى الإيمان الحُبُّ في الله والبُغضُ في الله، ((وأنْ يُحب المرء لا يُحبُّهُ إلا لله)) لا يُحبُّهُ إلا لله، هذا يجِدُ بِهِ حلاوة الإيمان، لهُ أخ في الله ليسَ لهُ عليهِ نِعمة؛ إنَّما يُحبُّهُ لاستقامتِهِ هذا يجِدُ بِهِ حلاوة الإيمان؛ لكن ينظر في هذه المحبة في أوقات الامتحان، في الابتلاء، في أوقات الصفاء والجفاء... هل تزيد هذه المحبَّة أو تنقُص؟! إنْ زَادَت مع الصَّفَاء أو نَقَصَتْ معَ الجَفَاء، فهذه ليست لله! وهذا الأمر قال ابن عباس في الصَّدر الأوَّل: "ولقد صارت عامَّةُ مُؤاخاة النّاس على أمر الدُّنيا" هذا في عصر الصَّحابة، ولو دقَّقْنا في السِّر والسبب الحقيقي لِحُبنا بعض النَّاس مِمَّن ظاهرهُ الصَّلاح أو من الصَّالحين لوَجَدْنا الأمر على خِلاف ما جاء في الحديث، لو تختلف المُعاملة أدنى اختلاف، لو يَحْتَفِي بغيرك، ولا يَلْتَفِت إليك، تغيَّر الوضع، من استمرأَ المَدْح والثَّناء وعاش عليهِ وسَمِعهُ كثيراً، وصار يَسْتَنْكِر إذا ما وُجِد! لأنَّ النُّفُوس مَدْخُولَة، يعني إلى وقتٍ قريب كان النَّاس يَنْفُرُونْ نُفْرَة تَامَّة عن المَدْح، ويُشَدِّدُونْ على منْ يَمْدَح ثُمَّ تَسَاهَلُوا صارُوا يَسْمَعُون المَدْح ولا يَتَأثَّرُون، والسُّنَّة الإلَهيَّة الثَّابِتَة بالتَّجرُبَة أنَّ من سَمِع مَدْحَهُ بما ليسَ فيهِ لا بُدَّ أنْ يُذَم بما لَيسَ فيهِ إذا لم يُنْكِر، وإذا مُدِحَ بما فيهِ ولم يُنْكِر ذُمَّ بما فيهِ، هذهِ سُنَّة إلَهِيَّة، لو حضرت إلى شخص بينك وبينهُ مودَّة وصَِلة وكذا، ثُم جاء واحد من أقرانك والتف إلى هذا القرين وصار وجهُهُ إليهِ وتركك... وش يصير وضعك؟! ما تتأثَّر؟! ما تنقُص المحبَّة والمودَّة؟! بعض النَّاس المودَّة مبنيَّة على هذا من الأساس!!! لماذا تزُور فُلان؟! لأنه والله يستقبل استقبال طيِّب! ، وفلان والله ما يلقينا وجه! أنت تحبه ليش؟! لماذا تُحبُّه؟! فعلى الإنسان أنْ يختبر نفسُهُ في هذا الباب! ((وأنْ يُحب المرء لا يُحبُّهُ إلا لله)) قد تجتمِع المحبَّة الجِبِلِّيَّة مع المحبَّة الشَّرعيَّة، وقد تَنْفَرِد المحبَّة الجِبِلِّيَّة دُونَ الشَّرعيَّة والعكس، فالرَّجُل يُحِبُّ وَلَدَهُ المُسْتَقِيم؛ لأنَّهُ اجتمعَ فيهِ الأمران، يُحبُّهُ جِبِلَّةً؛ لأنَّهُ وَلَدَهُ، ويُحبُّهُ؛ لأنَّهُ مُسْتَقِيم، قد يكُون الولد غير مُسْتَقِيم، يُحبُّهُ جِبِلَّةً؛ لكنْ يُبْغِضُهُ شَرْعاً، جار ليسَ بولد مُسْتَقِيم يُحبُّهُ شَرْعاً، وإنْ لَمْ يَكُن هُناك جِبِلَّة؛ لأنَّهُ ليس بقريب، الزوجة المودَّة والرَّحمة التِّي جُعِلَت بين الزَّوجين تَبْعَثُ على المَحبَّة... فماذا على محبَّة المرأة الكافِرَة الكِتَابِيَّة؟! ((وأنْ يُحب المرء لا يُحبُّهُ إلا لله)) هل يَقْدَح في مثلِ هذا الحديث أنْ يُحبَّ المرأة التِّي من خَصِيصة الزَّواج المودَّة والرَّحمة؛ بل من نَتِيجتِهِ المودَّة والرَّحمة {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّوم/ 21]، امرأة كافرة! تقول: المسيحُ ابنُ الله، ويُحِبُّها للمودَّة والمَحَبَّة التِّي جُعِلَت، ومع ذلك يُبْغِضُها لِدِينِها، فقد تَجْتَمِع المودَّة والمَحَبَّة من وجهٍ دُون وجه.